الفنان أحمد مكى يمارس الفن بروح الطفل، يطلق لخياله العنان ويمنحه الجرأة للقفز فوق أسوار المألوف والمعتاد فى فن الكوميديا، حاسته الفنية مبرمجة على التفكير بالصورة، لأنه مخرج قبل أن يكون ممثلاً، يقرأ ويذاكر جيداً ويطلع على أحدث تيارات السينما والغناء والكوميديا فى العالم، موجته مضبوطة على موجة جيل الشباب والإنترنت بشكل مدهش، يضحكنى ويمتعنى وأحس أننى أمام فنان ذكى وليس أراجوزاً مهرجاً.

كل هذا كان فى ذهنى وأنا أصحب ابنى عمر وعلى إلى السينما بناء على طلبهما وعزومتهما الفنية، وبالطبع بناء على عزومتى المادية!! لأشاهد فيلم أحمد مكى الجديد «سيما على بابا»، راهنت على عشقه لكى يكون مختلفاً، على إدمانه للمغامرات الفنية، وكسبت الرهان، استمتعت وضحكت وطرحت كل تعقيدات بعض المثقفين الذين يكرهون هذا النوع من الكوميديا، لمجرد أنها تجعلك تبتسم دون أبعاد أيديولوجية. وجدت نفسى أمام فنان مجتهد يحاول أن يحفر لنفسه طريقاً خاصاً فى تاريخ الكوميديا، بشقاوة طفل، بجسارة طفل، ببراءة طفل، بدهشة طفل، بحس طفل، يغامر ويحلم ويستمتع بصنع الجديد والمختلف حتى لو صدم البعض.

مقدمة الفيلم، أو بالأصح الفيلمين، تحضرك لجو السينما الشعبية وفوازير فهمى عبدالحميد التى كان يمتعنا فيها باستعادة طفولتنا المفتقدة والتى ضاعت فى مناخ الأوامر والنواهى والأمر والزجر والمذاكرة والحفظ والتسميع.

الفيلم الأول كوكب فضائى يستدعى كائناً من الأرض للقيام بدور الزعيم لأنه الشبيه، هو يسخر من الفكرة المكررة ولكنه يبتكر عرضاً وتناولاً كوميدياً مختلفاً، كله فى جو حرفى وتقنى متميز وغير ساذج، ستجد الطفل بداخلك يقفز بشقاوة ويضحك مع أحداث الفيلم وتستمتع بنفس درجة استمتاعك القديم وأنت طفل بقراءة مجلات ميكى وسوبرمان وباتمان والألغاز.

الفيلم الثانى أعجبنى أكثر، فمن الممكن لو أنت مغرم بالرموز تستطيع أن تمارس هوايتك فى تحويله إلى فيلم سياسى، ولو كنت ترغب بمتعة الضحك فستضحك حتى الثمالة، الفيلم عن مزرعة يتحكم فيها الضباع، يفرضون على سكانها الإتاوات من مجرد البيض واللبن حتى بيع أطفالهم دون مقابل، كل السكان يحلمون بعودة الديك حبش المنقذ المخلص، يخترع لهم الكلب حدوتة مختلقة عن هذا الديك، حتى يأتى ديك نصاب فيتخيلونه ويقنعون أنفسهم بأنه المخلص حبش، يعيشون أسرى هذا الحلم حتى ينسحق الديك أمام الضباع وينسحق معه الحلم، يتعلمون بعدها أنه لا يوجد مخلّص قائد، بل يوجد شعب مخلّص (بالشّدّة) ومُخلص لمبادئه ووجوده وثائر لكرامته، وهنا فقط يتخلص سكان المزرعة من الضباع.

شكرا للفنان أحمد مكى والمخرج أحمد الجندى وباقة مسرحية «قهوة سادة» الجميلة، التى قدمها لنا المبدع خالد جلال، ففرضت نفسها على الساحة الفنية، وقدم بعض أفرادها مع أحمد مكى سلسلة كوميدية جميلة وبسيطة وممتعة.